: ميناء العقير
السياح القلة الذين يصلون إلى ميناء العقير يصابون بالدهشة والانبهار. فميناء العقير الذي يقع على الخليج العربي شرق المملكة لعربية السعودية هو اقدم ميناء تاريخي في العالم منذ ألف وخمسمائة سنة و مازالت آثاره باقية حتى اليوم. إلا أن البعض من المؤرخين يرجع ميناء العقير القديم إلى زمن الجر هائيين الذين استوطنوا شرق الجزيرة العربية واشتهرت مملكتهم بالملاحة وعلم البحر ومعرفة السواحل وذلك قبل الميلاد بستمائة سنة. وميناء العقير بعمارته التي تشهد على تاريخه الحافل يبقى اشهر ميناء تاريخي لم تستقبل أرصفته سفينة واحدة منذ اكثر من نصف قرن.
انه ميناء الهم الشعراء والمحبين الصبر و الانتظار. ولم تتعب أرصفة العقير من طول الانتظار. والعقير الذي أغرى علماء الآثار بالبحث و التنقيب ’ فقد أغرى الكتاب وأساتذة التاريخ بالكتابة عنه حتى كتبت فيه عشرات الكتب وعشرات الأبحاث. وميناء مثل العقير يصل إليه الزائرون عبر خط معبد يبعد ست وسبعون كيلو متراً عن مدينة العيون ولا يبعد سوى خمسة وثلاثين كيلومترا عن مدينة الجر هاء التاريخية. فيقضون أياما مخيمين تحت أرجل شواطئه. مستلهمين عظمة الميناء، وأحداث الماضي، وتعاقب السنون. كتب عنه ياقوت الحموي في معجمه مؤكدا أن سابور ذي الأكتاف حين نقل العرب من شط العرب انزل جماعة منهم في العقير. واعتبره الباحثون القدماء بأنه فرضة الصين والبصرة والهند ومعظم القارات القديمة. ويذكر الكتاب المتأخر ون إن النصوص و الوثائق القديمة تؤكد أن فرضة العقير كانت قبل القرن الثالث الهجري بأمد طويل. ويصفه الرحالة لوريمر بأنه على درجة كبيرة من النشاط في القرن الرابع الهجري أبان حكم القرامطة وهو المنطقة ومصب الخيرات منه واليها، ولذلك عمد العوام بن محمد بن يوسف الزجاج من عبد القيس إلى تدمير ميناء العقير للضغط على القرامطة بعد استيلاءه على البحرين. ولم يكن العقير آنذاك سوى الميناء الوحيد للقرامطة للاتصال مع العالم الخارجي. وكتب علامة الجزيرة حمد الجاسر عن الميناء بأنه مركزا لادارة المنطقة أبان الحكم العثماني. وفي الميناء وقع الملك عبد العزيز وثيقة العقير المشهورة مع الإنجليز. كما كتب عنه العديد من الكتاب المتأخرين من أمثال العبد القادر في تحفة المستفيد. ومحمد سعيد المسلم في ساحل الذهب الأسود. وعبد الرحمن الملا في تاريخ هجر، ومحمد الشرفاء في كتابه عن المنطقة الشرقية. وقد أنشئ قديما قرب ميناء العقير العديد من المباني الخدمية للعاملين والعابرين أهمهما مبنيان متجاوران إحداهما حامية للميناء ضد الغزاة، والثاني فندق يحتوي على ثلاث مظلات من الداخل. ويجاور الميناء عدد من القبائل الكبيرة مثل العجمان وآل مرة وبنو هاجر. وبقي العقير الميناء الرئيسي للمنطقة ووسط الجزيرة العربية حتى عام 1365 هجرية ’ بعد إنشاء العديد من الموانئ البحرية الحديثة في الخبر و الدمام ورأس تنورة، الأمر الذي فقد بعدها الميناء اهميتة التجارية فهجرته السفن والبواخر منذ .ذلك الحين
أولاً _ الموقع . يقع ميناء العقير على الشاطئ الغربي للخليج العربي ويبعد عن مدينة العيون عبر الطريق البري التجاري القديم حوالي 76كم . ووصف صاحب المناسك ميناء العقير بأنه فرضة الصين وعمان والبصرة وهي من منار البحرين منبر لبني الرجاف وربما جاء اسم العقير والعجير كما يسميه أهالي الأحساء من اسم قبيلة عجير التي سكنت المنطقة خلال الألف الأول قبل الميلاد وأوردت اسمها المصادر الكلاسيكية وقد يكون لاسمه دلالة جغرافية فقد ورد في معجم البلدان لياقوت الحموي أن العقر كل فرضة بين شيئين وتصغيرها عقير . ويعتبر ساحل العقير من أجمل السواحل الشرقية على ضفاف الخليج ويتميز الساحل بتداخل مياه الخليج بالشواطئ الرملية الضحلة وتنوع المظاهر الجغرافية وكثرة الرؤوس والخلجان والجذر . وتوجد بالعقير عدة جزر من أهم جزيرة الزخنونية وجزيرة الفطيم ويعتبر العقير سوقاً من الأسواق التجارية القديمة في فترة ما قبل الاسلام وأرتبط بسوق المشقر وسوق هجر حيث ذكر بعض المؤرخين أنه يقع على ساحل البحر ويلتقي فيه عدد كبير من تجار الأقاليم والاقطار المجاورة وتعرض فيه الوان شتى من محاصيل بلاد العرب ومنتجات البلاد الاجنبية وبعد دخول قبيلة عبدالقيس في الاسلام ودخول هذه المنطقة طواعية في الإسلام الحنيف شهد ميناء العقير انطلاقة جحافل الجيوش الاسلامية التي فتحت بلاد فارس والهند ووصلت إلى مشارف بلاد الصين .
ثانياً : أهمية العقير التجارية . يرتبط العقير بواحة الأحساء بطريق تجاري بري قديم شيدت عليه عدة قلاع وآبار للمياه من أهمها أم الذر وشاطر وبريمان وخوينج وقد شيدت هذه القلاع لحماية القوافل التجارية وتزويدها بالمياه . وتقدر عدد الاحمال التي تغادر ميناء العقير
إلى الأحساء ما بين 250 إلى 300 حمل جمل تحمل أصناف البضائع من الأخشاب والمواد الغذائية والبن والهيل والبهارات والملابس والعطور والبخور والصندل حيث ترد من الهند والصين وإيران والعراق واليمن وحضرموت وعمان وتعود محملة بأهم منتجات الأحساء من التمور والدبس وفسائل النخيل وسعفها والصوف والموا شئ وبعض المنتجات اليدوية كالفخار . وتتميز العقير بكثرة الأسماك المشهورة بالجودة وطيب الطعم والنكهة .
ثالثاً : معالم العقير الأثرية والتاريخية .
بالعقير العديد من المباني الأثرية والتاريخية أهمها :
مبنى الجمارك :
يقع بمحاذاة البحر ويتكون من قسمين في وحدة بنائية واحدة جنوبي وشمالي الأول : مستودع الجمارك : تمثله ساحة ذات سقف مدبب يغطي ستة أروقة بنيت جميع أعمدته بحجارة البحر (الفروش) استخدم لإيداع البضائع الواردة لإنهاء إجراءات الجمارك . الثاني : إدارة الجمارك : إلى الشمال من المستودع ويتكون من دورين يطلان من جهة البر على فناء يؤدي إلى مدخل ينفذ إلى البحر للوصول إلى رصيف الميناء . وعلى جانبيه حجرتي المكاتب ، ويقف على جانبي الفناء المؤدي إلى المدخل سلما درج يلتقيان عند شرفة تعلو المدخل ، وتشكل واجهة الميناء الغربية ، ثم تمتد شرقاً لتكون ممراً وسطياً يطل على البحر لمراقبة فناء ورصيف الميناء وعلى جانبيه حجرتان طول كل واحدة عشرة أمتار وعرضها خمسة أمتار ، وتتوج مبنى المكاتب بزخارف جصية جميلة .
الفرضــة :
إلى الشرق من مبنى المكاتب باتجاه البحر فناء مكشوف بمحاذاة مبنى الإدارة والمستودعات يوازي رصيف الميناء المستطيل بطول (148متراً ) ويقسم إلى جزئين الأول مكشوف يمثل رصيف تفريغ البضائع والثاني مغمور بشكل نصف دائري لتسهيل رسو السفن وليعمل كمصد يخفف من ارتطام الأمواج بالرصيف . وتحيط بجميع حجرات الإدارة نوافذ خشبية مستطيلة الشكل تعلوها أقواس نصف دائرية .
مبنى القلعـة :
يتكون من قصر الإمارة ذو المدخل المقوس ، حيث تقوم على جانبيه مقصورتان رئيسيتان يزيد ارتفاعهما عن ستة أمتار ولكل منهما ست نوافذ مستطيلة تعلوها أقواس نصف دائرية مزينة بمثلثات زجاجية ملونة ذات مصاريع خشبية مزخرفة وخلفها قضبان حديدية . وجنوب القلعة يوجد المسجد ويتكون من رواقين أقيما على أعمدة مربعة وسداسية الشكل بنيت بحجارة البحر (الفروش) ومونة الجص .
مبنى الخان :
استعمل منذ بداية القرن السابع الهجري كاستراحة للمسافرين ودوابهم ويحتوي على حجرات للنوم وقاعات لعرض البضائع ، ويقع غرب الميناء . وبه غرف صغيرة ذات مداخل مقوسة وأبواب خشبية مستطيلة تعلوها غرف مسقوفة بخشب الكندل والباسكيل ومغطاة بالطين كانت تستخدم كسكن للعاملين بالميناء وكبار الزوار وتزاول فيها الأعمال التجارية من بيع وشراء وتخليص للبضائع . ويحيط بها سور بني بحجارة البحر وله بوابة من جهة الشمال تشرف على ساحة مكشوفة في الوسط .
مبنى برج أبو زهمول :
بني سنة 1280هـ ويعرف باسم برج الراكة لوجود شجرة آراك ضخمة بالقرب منه ، وهو مبنى اسطواني الشكل يبلغ ارتفاعه عشرة أمتار ، بني على تل مرتفع عما حوله ويصعد إليه بسلم حلزوني يوصل إلى أدواره الثلاثة ، ويحيط به سور دائري يبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار ، وتوجد بينهما بئر ماء عذب يستقي منها الذين يترددون على العقير وتأتي أهميتها لكونها البئر الوحدة العذبة في العقير . وأقيم البرج بجانبها حماية لها إذ يوجد بئران ارتوازيان فواران أحدهما بجوار مبنى الجمارك والآخر إلى الغرب ولكن مياهها غير صالحة للشرب .
تلال العقير : مخطط التلال الغربية :
بالعقير مواقع أثرية ترتبط بالمواقع التي تم تعيينها بالمنطقة الشرقية وخاصة مواقع بقيق وشمال العيون ورأس القرية وجنوب ب قيق (موقع منجم الملح) ومواقع جنوب الظهران . وتمثل هذه المواقع تلال أثرية تمتد إلى الجنو ب الغربي من مباني الميناء تظهر بين كثبانها شواهد معمارية كجدران القلاع والمنازل والمدافن الدائرية وقنوات لري حول منطقة برج أبو زهمول إلى جهة الغرب . وقد قامت الوكالة الوزارة للآثار والمتاحف بوزارة التربية والتعليم لموسمين متتاليين عامي 1413/141هـ بعمليات تنقيب في إحدى تلك التلال كشفت عن مب نى سكني إسلامي يرجع إلى القرن الثالث أو الرابع الهجري وعثر به على مواد أثرية منوعة ، والمبني يرتكز على أساسات مباني .قديمة ترجع لفترة ما قبل الإسلام
الـمصدر : إيـلاف
***********************
صور حديثة لميناء العقير التاريخي
.صورة من تصوير مفيد المهناء
.
صور من تصوير ابراهيم الملحم
Bookmarks